تحدث ويزلي شوالييه، الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة تحسين للاستشارات، مع (نيكهل إنامدار)، أحد أبرز المتخصصين في اتجاهات الأعمال الرئيسية في المنطقة، حول انتقال المنطقة العربية من مرحلة العمل الخيري التقليدي إلى المشاريع الخيرية الاستراتيجية. وناقش الرئيس التنفيذي للعمليات، في مقابلة مطولة غطت محاور متنوعة من النقاش، المبادرات الخيرية واسعة النطاق التي تم إطلاقها في الآونة الأخيرة، والاتجاهات الناشئة في الأعمال الخيرية الاستراتيجية، وآفاق المستقبل للعمل الخيري العربي.
نيكهل إنامدار: ما هي أحدث الاتجاهات التي يشهدها العمل الخيري العربي؟
ويزلي شوالييه: الاتجاهات التحولية الرئيسية التي أراها الآن هي كما يلي:
الأفراد الأكثر ثراءً يلعبون دوراً متزايداً: في عام 2010، أسَس كلاً من «وارن بافيت»، الرئيس التنفيذي لشركة «بيركشاير هاثاواي»، و«بيل غيتس»، الشريك المؤسس لشركة مايكروسوفت، ”تعهد العطاء“ لإقناع أصحاب المليارات من المواطنين الأميركيين بالتبرع بما لا يقل عن نصف ثرواتهم للأعمال الخيرية أو للقضايا الخيرية سواء خلال حياتهم أو بعد رحيلهم عن الدنيا. وفي حين انحصر التركيز، عند اطلاق المبادرة، على الأسر والأفراد الأكثر ثراءً في الولايات المتحدة، إلا أنه تم توسيع نطاقها لتشمل رواد العمل الخيري على مستوى العالم.
في عام 2012 ، أجرت شركة تحسين للاستشارات دراسةً بحثيًة حول التأثير المحتمل لتوقيع المليارديرات العرب على تعهد العطاء، وخلصت الدراسة في ذلك الوقت إلى أنه بمقدور الأثرياء العرب الأكثر سخاءاً تخصيص 24 مليار دولار للأنشطة الخيرية بتوقيعهم لتعهد العطاء.
وفي حين أن العديد من أصحاب الأعمال الأكثر ثراءاً اعتادوا على تقديم المساعدات في مجتمعاتهم المحلية بشكلٍ غير رسمي، فإننا نشهد المزيد من الأفراد الأثرياء في العالم العربي من الذين يقدمون مساهمات خيرية واسعة النطاق بشفافية وعلنية.
ولا تختلف دوافع المحسنين العرب عن نظرائهم في مناطق أخرى من العالم؛ حيث ينطلقون من الرغبة في رد الجميل للمجتمع وخاصةً للفئات الأقل حظاً، واكتساب التقدير العام، ورفع مكانتهم الاجتماعية، وترسيخ قيمة العطاء، ولعب دور أكبر في تشكيل مستقبل بلدهم أو وطنهم العربي الكبير.
ومع تبرع عبدالله أحمد الغرير بثلث ثروته الشخصية بقيمة 1.1 مليار دولار لإنشاء مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم، وتعهد الأمير الوليد بن طلال بتوجيه معظم ثروته البالغة 32 مليار دولار إلى العمل الخيري ، من المحتمل أننا نشهد مرحلة جديدة من الأعمال الخيرية العربية.
ومن المرجح أن نرى العديد من المليارديرات في العالم العربي البالغ عددهم حوالي 36 مليارديراً أو نحو ذلك يتعهدون بمبادرات خيرية كبيرة لإدارة ثرواتهم بشكلٍ استراتيجي من أجل الصالح العام.
الانتقال من مرحلة العمل الخيري التقليدي إلى المشاريع الخيرية الاستراتيجية:
في الماضي ، كانت الأعمال الخيرية في العالم العربي مدفوعة بمبادرات فردية غير معلن عنها لرد الجميل للمجتمعات المحلية التي كون فيها أصحاب الأعمال ثرواتهم. وكان التركيز في كثير من الأحيان على القضايا المجتمعية التي تؤثر على المجتمعات المحلية مثل الفقر والسكن والرعاية الصحية. إن الأعمال الخيرية العربية تاريخياً كانت أعمالاً عاطفية ذات دوافع فردية لم تعالج عادةً السبب الجذري للقضايا الاجتماعية. وفي أواخر عام 2000، شهدنا دفعة كبيرة في المنطقة لإضفاء الطابع المؤسسي على الأعمال والمشروعات الخيرية والمسؤولية الاجتماعية للشركات لجعل الجهود الخيرية ذات منحى استراتيجي. ويظل هذا التوجه نحو الاستثمار الخيري والعمل الخيري الاستراتيجي متجذرًا في التقاليد الدينية في المنطقة العربية مثل تأدية الزكاة ومشاريع الأوقاف الخيرية. ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين، لا يزال من الممكن وصف العديد من الجهود الخيرية بأنها تبرعات لتمويل تنفيذ البرامج والمشروعات الخيرية من قبل المنظمات غير الربحية.
واهتم المحسنون في المقام الأول بتنفيذ برامج تتناسب مع حجم تبرعاتهم مع القليل من الاهتمام بقياس حجم ونطاق تأثير العمل الخيري وتعزيز القدرات المؤسسية. وفي عام 2007، حدث تحول محوري عندما تبرع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بمبلغ 10 مليارات دولار لتأسيس مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية.
لقد حفز نطاق هذه البادرة الخيرية عددًا من الحوارات في المنطقة حول العمل الخيري الاستراتيجي. وشهد العقد الأول من الألفية الجديدة ظهور عدد من مؤسسات الوقف الخيري في الوطن العربي والتي بدأت في استثمار الموارد في المؤسسات غير الربحية من أجل زيادة قدرتها على معالجة الأسباب الجذرية لتحديات التنمية الإقليمية.
وبحلول عام 2015 ، بدأ القائمون على المبادرات التي تم إطلاقها في أوائل العقد الأول من الألفية الجديدة في اتباع النهج الاستراتيجي للعمل الخيري والذي ينطوي على بناء القدرات الداخلية لتقديم البرامج، وتطوير القدرات المؤسسية للشركاء غير الربحيين والجهات التي تتلقى المنح، ومتابعة البرامج بوسائل منهجية مدروسة بعناية تتناول الأسباب الجذرية لقضايا التنمية، مع اتباع نظم قوية للرصد والتقييم لقياس التأثير والقيمة مقابل المال.
العمل الخيري العربي يلعب دوراً متزايد الأهمية في التنمية العالمية:
كثير من المؤسسات الخيرية في المنطقة العربية تسهم في التنمية الدولية وتتعاون بشكلٍ منتظم مع المؤسسات المتعددة الأطراف والجهات المانحة الثنائية. لقد تمكنت المبادرات العربية الخيرية الكبيرة على نحو متزايد من صياغة سياسات المؤسسات المتعددة الأطراف والجهات المانحة الثنائية من خلال تمويلها، وتوفير مدخلات في تصميم البرامج وتطويرها، والمساهمة في التمويل لتوسيع نطاق المبادرات الناجحة.
نيكهل إنامدار: ما الذي يميز العمل الخيري العربي عن العمل الخيري العالمي؟
ويزلي شوالييه: بالإضافة إلى ارتباط العطاء الخيري بالتقاليد الدينية، يتمثل الجانب الفريد من الأعمال الخيرية في بعض الدول العربية في ظهور المؤسسات المختلطة التي يتم تمويلها من قبل الحكومة أو الصناديق شبه الحكومية والجهات المانحة من القطاع الخاص.
في مناطق أخرى من العالم، تتلقى الجمعيات الخيرية العمومية تمويلها من فاعلي الخير من خلال المنح المقدمة من الأفراد والحكومة والمؤسسات الخاصة، بينما تتلقى الجمعيات الخيرية الخاصة عمومًا الأموال من مصدر واحد مثل الفرد أو الأسرة أو الشركة. وفي هذا الصدد، فإن تعريف ما الذي يشكل منظمة خيرية والجهة التي يجب أن تخضع للمساءلة أمامها ليس واضحًا كما هو الحال في أماكن أخرى من العالم. ومما زاد من هذا الالتباس حقيقة أن العديد من أهل الخير في المنطقة يمارسون أدوراُ وظيفية متعددة في القطاعين العام والخاص.
نيكهل إنامدار: ما الذي ينبغي القيام به لتنظيم هذا القطاع حتى يصل لمرحلة النضوج كما هو الحال في الاقتصادات الغربية مثل الولايات المتحدة؟
ويزلي شوالييه: في العديد من الدول العربية ، تجعل قوانين المجتمع المدني تسجيل المنظمات الخيرية صعباً للغاية ويمكن أن تحول دون جمع الأموال. وهذه القوانين لديها القدرة على التأثير بشكلٍ سلبي على تطور المجتمع المدني. كما أن القوانين التي قد تعمل أيضًا على تحفيز العطاء الفردي والعمل الخيري للشركات، مثل إعفاء التبرعات والمنح من الضرائب، غير موجودة أيضًا. وعلاوة على ذلك، توجد أشكال ناشئة من الأعمال الخيرية، مثل المشاريع الخيرية وجمع التبرعات من خلال التمويل الجماعي، وهي توجهات لاتزال يكتنفها الغموض من الناحية التنظيمية، وهي تتطلب تقنيناً يضمن قدرتها على الازدهار في المنطقة.
نيكهل إنامدار: هل يحتاج العمل الخيري إلى أن يصبح أكثر تنظيماً من حيث تقييم الأثر، ومراجعة الحسابات، وغيرها من الأمور، حتى يكتسب هذا القطاع صبغة رسمية؟
ويزلي شوالييه: هناك عدة عناصر مطلوبة لتعزيز قطاع الأعمال الخيرية في العالم العربي:
تحديد أنماط العطاء: هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لرسم خارطة العطاء الخيري بهدف تحديد الكيانات التي تقدم المشاريع والأعمال الخيرية والفئات المستفيدة منها لمعرفة الاحتياجات التي لم يتم تلبيتها. ومن بين المحاولات الأولية المثيرة للاهتمام لخريطة التبرعات والمساهمات الخيرية الخاصة هي تقارير المساعدات الخارجية السنوية لدولة الإمارات العربية المتحدة والتي تضمنت معلومات عن العطاء المقدم من العديد من المنظمات الخيرية في الدولة. لذا، فإن توفير المزيد من المعلومات حول أنماط العطاء الخيري يسهم في تعزيز التنسيق والحد من التداخل في الجهود.
التركيز على تحسين قدرات التسليم للمستفيدين المرتبطين بالتمويل:
في كثير من الحالات، تفتقر المنظمات غير الربحية الإقليمية إلى القدرات والضوابط الداخلية لاستيعاب وإدارة مساهمات المانحين على نطاق واسع. وقد عزز هذا الاتجاه تفضيل المحسنين العرب للعمل مع المنظمات الدولية على المؤسسات العربية المحلية. وينبغي أن تعزز الكيانات المستفيدة من التبرعات الخيرية العربية من قدراتها لأن هذا يشجع مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة على بذل المزيد من الجهود لإطلاق مبادرات خيرية واسعة النطاق وجذب المزيد من التبرعات الخيرية.
تحسين القدرات لتحليل القيمة مقابل المال: نظراً لأن تجربة الأعمال الخيرية الاستراتيجية حديثة العهد في المنطقة العربية، فإن هناك العديد من القدرات المؤسسية التي تحتاج المنظمات الخيرية إلى تحسينها. ويشمل ذلك وضع أهداف للبرامج والمشاريع الخيرية لتحديد الأهداف الاستراتيجية من ورائها والتأثير المتوخى لتلك المبادرات، ودراسة جدوى البرامج القائمة وصلاحيتها، وضمان فاعلية وكفاءة الأنشطة الخيرية من الناحية الاقتصادية، وتقييم تأثير هذه البرامج.