التقى «ويزلي شوالييه»، مدير العمليات في «تحسين للاستشارات»، مع مجلة «أريبيان بزنس» لمناقشة الاقتصاد الرقمي المتنامي بسرعة في المنطقة العربية، وكيف يمكن للشركات الإقليمية أن تستعد لمستقبل رقمي.

«أريبيان بزنس»: في عالمٍ يتم تحويل كل شيء فيه إلى النُظُم الرقمية، تحتاج الشركات إلى مواصلة الابتكار لإستبدال تكنولوجياتها القديمة قبل أن تعطلها الشركات المنافسة وتخرجها من الأسواق. كيف ترى هذا يحدث في هذه المنطقة؟

ويزلي شوالييه: يجب أن نحدد أولاً  كيف نقيس الابتكار. إذا استخدمنا إنفاق الشركة على البحث والتطوير كمؤشر للإبتكار، نجد أن دولة الإمارات العربية المتحدة في المركز 22 على مستوى دول العالم، وتأتي في المرتبة الأولى بين بلدان الوطن العربي وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي حول التنافسية العالمية. وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة بلداً رائداً في قياس تأثير الاقتصاد الرقمي على الشركات الموجودة في أسواق المنطقة العربية وكيف تستثمر الشركات القائمة في مجال الاقتصاد الرقمي لتجنب الخروج من الأسواق.

ويُلقي مؤشر أبوظبي للأبحاث والابتكار، الذي تم ادراجه في عام 2014، مزيدًا من الضوء على نوعية الشركات والقطاعات التي تنفق أكثر من غيرها على البحث والتطوير والابتكار.

ويُبيِّن هذا البحث أن الشركات الكبيرة فقط، وخصوصاً العاملة منها في قطاعات النفط والغاز والصناعة والأعمال والخدمات، تستثمر بالفعل في البحث والتطوير والابتكار.

ومع ذلك، عندما تتمعن قليلاً في الموضوع، تكتشف أن غالبية هذه الشركات تخصص تمويل البحث والتطوير الخاص بها للحصول على الآلات والمعدات والبرمجيات. ويبدو على الأرجح أن الشركات المستمرة في السوق تنفق على البحث والتطوير بهدف تأمين مراكزها الحالية وليس بهدف الاستثمار بحد ذاته، حيث أنها ترغب فقط في النمو من خلال تطوير منتجات جديدة. ولهذا السبب، عندما نأتي على ذِكر الابتكار في العالم العربي فإن هذا لا يزال يعني في الغالب اقتناء الشركات الكبيرة لتقنيات تستوردها من الخارج.

وهذا يطرح سؤالاً هاماً للغاية بالنسبة للمنطقة حول الـ90٪ الأخرى من الشركات في الاقتصادات العربية التي هي عبارة عن شركات صغيرة ومتوسطة. كيف يبتكرون؟ إذا نظرنا إلى الدراسات المسحية في مجال مراقبة ريادة المشاريع العالمية وطبقناها على الإمارات، فإن 2.3٪ فقط من الشركات في دولة الإمارات العربية المتحدة لديها نماذج أعمال قائمة على التكنولوجيا. وعلاوة على ذلك، نلاحظ، إلى حدٍ كبير، ثبات معدل انخفاض التسرب التكنولوجي في المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم في جميع أنحاء المنطقة. وفي العديد من الاقتصادات العربية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، تعمل غالبية الشركات الصغيرة والمتوسطة في قطاعاتٍ يكون فيها عنصر الابتكار أقل قدرة على المنافسة.

القضية الرئيسية التي تواجهها الدول العربية الآن هي كيف نجعل شركاتنا الصغيرة والمتوسطة أكثر ابتكاراً

«أريبيان بزنس»: وفرت شركات مثل «أمازون» و«أبِـل» سُـبُل الراحة لزبائنهـا. الآن، بعد تدليـل هؤلاء الزبائـن، أصبحوا يتوقعون قيام كل شركة بتوصيل المنتجات والخدمات بنفس السرعة والكفاءة. كيف يمكن للشركات غير التكنولوجية تلبية هذه التوقعات؟

ويزلي شوالييه: بالنظر إلى الهيكل الصناعي في المنطقة، قد يكون السؤال الأفضل هو كيف يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة التنافس مع الشركات الكبيرة القائمة في الأسواق الوطنية والإقليمية والدولية؟

استبدال التقنيات الرقمية الموجودة بتقنيات أحدث يٌعَد استراتيجية تنافسية لكنه ليس حلاً.

فالأبحاث التي أجرتها «تحسين للاستشارات» حول الاستراتيجيات التنافسية الفعالة في البلدان العربية أظهرت أن الشركات غير التكنولوجية يمكنها التنافس من خلال اتباع عدد من المسارات بما في ذلك:

(أ)- مهما كان مجال عمل شركتك، عليك أن تنظر إلى أفضل شركة في مجالك كشركة منافسة يتعين التفوق عليها.

(ب)- السيطرة على مجال أعمال غير مُستَغَل في السوق.

(ج)- التفوق في الأداء في المجالات التي تتطلب المرونة وسرعة الحركة.

(د)- معرفة ماذا يريد الزبائن وتلبية ذلك بدقة وكفاءة.

«أريبيان بزنس»: في العالم الرقمي الجديد، من يملك البيانات هو ملك غير متوج. ما مدى أهمية أن تقوم الشركات بجمع وتحليل بيانات العملاء؟ إلى أي مدى تعرف الشركات في المنطقة زبائنها حق المعرفة؟

ويزلي شوالييه: من الضروري للغاية بالنسبة للشركات، الصغيرة و الكبيرة على حدٍ سواء، أن تجمع وتحلل بيانات العملاء. وأحد أكثر جوانب البيانات المطلوب جمعها وتحليلها يتعلق بالأسعار.

تعتبر دبي ساحة اختبار للتسعير الديناميكي حيث تستخدم الشركات العامة والخاصة التسعير الديناميكي لتحقيق أقصى قدر من الإيرادات وسلاسة الطلب.

في الإمارات، بصفةٍ خاصة، أشعر بسعادة بالغة لرؤية كيف تتطور الأمور مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي في استراتيجيات التسعير الديناميكية، وذلك بسبب هيكلية سوق العمل والتفاوت في الأجور. ومع ازدياد شعبية شركات نقل الركاب من خلال التطبيقات الحديثة، أضحى الكثيرون على دراية بأسعار الركوب في فترات الذروة. بيد أن هناك مجموعة كاملة من استراتيجيات التسعير الديناميكية الأخرى التي يمكن الاستفادة منها من قِبَل الشركات التي تمتلك قاعدة بيانات أفضل للعملاء مثل التسعير المقسم، والتسعير القائم على الوقت، والتسعير في وقت الخدمة، والتسعير المتقدم، والتسعير بالجملة.

«أريبيان بزنس»: قليل من الشركات الموجودة في السوق على استعداد لمواجهة آثار التحولات الرقمية. هل تعتقد أنهم يدركون حقا مدى السرعة التي يجب أن يحدث التغيير بها، أو كيف يجب أن يكون التحول؟

ويزلي شوالييه: هناك العديد من الأسباب وراء عدم تبني الشركات الموجودة في المنطقة العربية للإقتصاد الرقمي:

(1)- هياكل السوق التي تفتقر إلى المنافسة.

(2)- الحكومات هي المنظم والمشغل أو المساهم الرئيسي في العديد من الصناعات.

(3)-السياسات العامة التي وضعت عراقيل كبيرة أمام دخول الشركات الناشئة التي تعتمد على التكنولوجيا إلى الأسواق.

(4)- فجوة المهارات الرقمية.

(5)- الخوف من المجهول - كيف ستؤثر الأتمتة على الوظائف؟

الشركات العالمية تدرك أنها بحاجة لمواصلة الابتكار وإلا تعطلت أعمالها بسبب المنافسة القوية بينها.

أما الشركات في منطقتنا ربما تكون بمعزلٍ، نوعاً ما، عن التوجه نحو الإبتكار. أعتقد أن الشركات الكبرى تدرك أنها بحاجة إلى التغيير، لكن أزعم أن بعض الشركات قد تكون معزولة نوعًا ما عن المنافسة التي تجبرها فعلًا على التوجه نحو الابتكار أو الخروج من السوق. على سبيل المثال، من غير المعقول أنه لا يمكنك تسوق احتياجاتك من البقالة على الإنترنت سوى في دبي وحدها. لقد تحقق ذلك عندنا في عام 2013 بينما أول محل بقالة على الإنترنت في الولايات المتحدة الأمريكية سبقنا بنحو 21 سنة. لماذا استغرق الأمر عندنا عشرين سنة لإحداث هذا التغيير؟

«أريبيان بزنس»: من وجهة نظرك كإستشاري في المنطقة العربية، ما هي الخطوات الملموسة التي ينبغي على دول المنطقة اتخاذها لتمهيد الطريق لمستقبلٍ رقمي؟

ويزلي شوالييه: كمنطقة، نحتاج أن نكون مبتكرين وليس مجرد مستهلكين للإبتكارات. عند سؤال الشركات عن معوقات الابتكار، فإن أفضل الإجابات التي نسمعها باستمرار هي أن السبب يكمن في سيطرة مؤسسات ضخمة على الأسواق، اضافة إلى التكلفة الباهظة للإبتكار. في اعتقادي، يوجد مجالان رئيسيان للتركيز: نحن بحاجة إلى حوار إقليمي جاد بشأن سياسة المنافسة التي تشجع على الابتكار التكنولوجي، والمنافسة السعرية، وتحترم اختيارات المستهلكين،

كما أننا نحتاج إلى تضافر جهود حكومات المنطقة لتوفير التمويل لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة في إجراء الأبحاث وتطوير التقنيات الجديدة وتسويقها، وتسريع تبني هذه التقنيات وتكييفها.

ربما يتم تمويل هذا التوجه من قِبَل دول في المنطقة عن طريق فرض رسوم إضافية بسيطة من خلال الدرهم الإلكتروني، مع ربط هذه الرسوم الإضافية بتحقيق نتائج ملموسة.  كما يجب أن تستفيد الشركات الصغيرة والمتوسطة من هذه الأموال.