في العالم العربي، يُصَنَف المجتمع الذي يضم أفراداً لديهم المهارة والمرونة وملكات الإبداع والابتكار التي حظوا بها من خلال تعليم نوعي وفرص عمل متميزة وامكانية التعلم مدى الحياة لقطاعات عريضة من أبنائهِ كمؤشر حيوي للتنمية الاقتصادية القائمة على المعرفة (وزارة الاقتصاد والتخطيط بالمملكة العربية السعودية، 2010). هذا وتواجه البلدان العربية، بدرجاتٍ متفاوتة، تحديات مماثلة لرأس المال البشري تُشَكِّل عقبات أمام التنمية الاقتصادية القائمة على المعرفة:
مستويات منخفضة من إنتاجية القوى العاملة
تُعَد إنتاجية العمل منخفضة على مستوى المنطقة العربية؛ فاستنادًا إلى الإحصاءات الخاصة بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي المنشورة سنة 2008، فإن مستوى الإنتاجية في دولة قطر، التي تُعتَبر أغنى دولة عربية، بلغ نحو ثلثي مستوى الإنتاجية بالمقارنة مع المعدلات التي حققتها الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على الرغم من الاتجاه التصاعدي لإنتاج وتسويق النفط والغاز الذي يُشَكِّل معظم إيرادات قطر (البنك الدولي، 2010 أ).
كما تُظهِر بيانات معدلات الإنتاجية لدى القوى العاملة بين الأعوام من 1991 وحتى 2008 نسبة نمو سنوي مركب بلغت 0.7٪ في دول العالم العربي مقابل تسجيل نمو في مجموعة دول شرق آسيا والمحيط الهادئ بلغ 3.97٪ بينما سجلت أمريكا اللاتينية معدلاً بلغ 1.19 ٪ فيما وصلت نسبة النمو إلى 1.46 ٪ في مجموعة دول الساحل والصحراء في القارة الأفريقية في الوقت الذي حققت فيه معدلات النمو في الدول التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نسبة 1.54 ٪.
تفضيل العمل في القطاع العام
لفترةٍ زمنية طويلة، أسهمت مؤثرات وعوامل اجتماعية في اقبال القوى العاملة على ممارسة مهن معينة (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، 1960). وقد نَجَمَ عن ذلك حدوث إبطاء في عملية التكامل الاقتصادي مما أدى إلى إحلال العمالة الوافدة محل العمالة المواطنة في وظائف معينة، وقد انعكس ذلك بشكلٍ سلبي على معدلات الإنتاجية حيث انخفضت تلك المعدلات في الصناعات ذات القيمة المضافة المنخفضة والتي يتم استيراد العمالة الوافدة ذات المهارة المنخفضة من الخارج للقيام بها (وزارة الاقتصاد الوطني - سلطنة عمان، 2010).
لقد أدى التفضيل الاجتماعي للعمل في الوظائف الحكومية إلى حدوث أزمة حيث لا تستطيع الحكومات في المنطقة العربية توفير فرص عمل مناسبة تستوعب الأعداد المتزايدة من الشباب الذين يدخلون سوق العمل.
زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل
بالمقارنة بالمكاسب الكبيرة التي حققتها المرأة على صعيد التحصيل العلمي، فإن نسبة مشاركتها في سوق العمل لم تتجاوز 22 ٪ مما أدى إلى ارتفاع مستويات البطالة بين الإناث (منظمة العمل الدولية، 2010). ومع التسليم بدخول أعداد متزايدة من النساء سوق العمل، نجد أن الكثيرات منهن يعملن إما بدوامٍ جزئي، أو في المشروعات الصغيرة، أو في الاقتصاد غير الرسمي (فلين وأولدهام، 1999). ويشهد هذا العصر تطوراً سريعاً في القيم الثقافية وتغيراً ملحوظاً في وجهات النظر فيما يتعلق بالالتزامات العائلية، صاحبه اتجاه نحو مزيد من المشاركة من جانب المرأة في سوق العمل والحصول على مستويات أعلى من التعليم (مايلز، 2002).
الفجوة بين امكانات القوى العاملة والمهارات التي يتطلبها سوق العمل في القطاعين العام والخاص
في دراسة مسحية أجراها على القطاع العام، وجدَ «اليحيى» (2008) دليلاً على وجود نسبة منخفضة من التطابق بين مهارات موظفي القطاع العام وأدوار العمل المكلفين بها وبشكلٍ خاص على مستوى الأعمال الإدارية البسيطة.
كما وَجدَ «اليحيى» دليلاً على أن التخصصات الدراسية لا ترتبط في كثيرٍ من الأحيان مع الوظائف الحالية، كما أن عدداً كبيراً من موظفي القطاع العام يعتقدون أن وظائفهم الحالية تتطلب مستويات منخفضة من مهاراتهم وخبراتهم المهنية. ومن ناحيةٍ أخرى، أظهرت دراسةٍ مسحية للقطاع الخاص أُجريِّت مؤخراً وجود قصور في المهارات الناعمة مثل القدرة على التواصل والعمل الجماعي والمهارات التحليلية والتفكير الإبداعي، وتوصلت الدراسة إلى أن 46٪ من المديرين التنفيذيين الإقليميين لا يعتقدون أن أنظمة التعليم والتدريب في العالم العربي تُعد الطلاب لسوق العمل (مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، 2008). وتدل هذه النتائج على فجوةٍ كبيرة بين مستويات الموارد البشرية الحالية في المنطقة العربية والمهارات التي يبحث عنها أرباب العمل في القطاع الخاص.
الخلل في مواءمة نظام التعليم والتدريب مع احتياجات الاقتصادات القائمة على المعرفة
ليس بمقدور العديد من البلدان العربية استيعاب جميع الطلاب الذين يرغبون في مواصلة التعليم بسبب الارتفاع الكبير في معدلات الالتحاق بالمدارس في ظل عدم كفاية الموارد (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، 2002). وعلى الرغم من استمرار الاتجاه طويل الأمد المتمثل في زيادة الميزانيات المخصصة للتعليم في المنطقة العربية، إلا أن زيادة القدرة على استيعاب الطلاب، وضمان الملاءمة، وتحسين الجودة، مع محدودية الموارد، يُعَد أمراً صعباً (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، 2010 ب). وعلى الرغم من المكاسب الإيجابية لتعزيز فرص التعليم وزيادة الإنفاق الوطني على التعليم، ما زال تدني جودة التعليم يعيق تنمية الموارد البشرية في المنطقة ويقلص من قدرة البلدان العربية على المنافسة في الاقتصاد العالمي.
وعلى مستوى التعليم العالي، فشلت أنظمة التعليم في المنطقة في تخريج الكفاءات المطلوبة ونوعية الكوادر اللازمة لتحقيق التنمية القائمة على المعرفة.
معوقات ريادة الأعمال
ومع التسليم بوجود بعض المكاسب في ميدان تسهيل ريادة الأعمال في المنطقة كما يتضح من زيادة عدد تراخيص الأعمال الجديدة، إلا أن الإجراءات والوقت والتكاليف والحد الأدنى لرأس المال المطلوب لبدء نشاطٍ تجاري مازالت أعلى بكثير بالمقارنة مع مثيلاتها في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية («كلابر» 2010، البنك الدولي، 2010 ب).
وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية توفر التمويل لمشاريع ريادة الأعمال، إلا أن حجم تمويل البنوك للشركات الناشئة والصغيرة، ورأس المال المُخَاطِر، والمستثمر المموِّل لا يزال محدوداً للغاية في العالم العربي بسبب انخفاض معدلات السيولة في التخارج من الأسواق. وعلى صعيد رعاية الأعمال، هناك مايقرب من 100 حاضنة أعمال بالعالم العربي بالمقارنة مع ألفٍ وستمائة في الولايات المتحدة لخدمة مجتمعات سكانية متشابهة إلى حدٍ ما (الجمعية الوطنية لحاضنات الأعمال، 2011).
ضعف نُظم الابتكار
الإنفاق على البحث والتطوير في المنطقة العربية أقل بكثير من نظيرهِ في العالم المتقدم حيث لا يُقَدِّم القطاع الخاص سوى تمويل محدود للغاية (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، 2010 أ).
كما أن الأطر التنظيمية لا تحمي الملكية الفكرية مما يؤدي إلى انخفاض براءات الاختراع وخنق تمويل القطاع الخاص لعمليات البحث والتطوير. ومن ناحيةٍ أخرى، هناك ضعف في توجهات القطاع العام نحو البحث والابتكار على الرغم من وجود دراسات أظهرت أن المكونات الهامة والضرورية لأنظمة الابتكار والبحث والتطوير الموجهة نحو سوق العمل وتشجيع ريادة الأعمال تحتاج إلى تعزيزها وربطها في نفس الوقت بالإقتصادات القائمة على المعرفة («كووك»، 2001، و«بيتروبيللي» 2009). وتشمل هذه المكونات النظم التعليمية والمؤسسات التي تجري الأبحاث الأساسية، والتطبيقية، والبحوث متعددة الاختصاصات، وحاضنات الأعمال، ومؤسسات التمويل، والروابط المهنية. وبالإضافة إلى ذلك، تعاني العديد من المؤسسات العربية المهمة لنظام الابتكار من الضعف (مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، 2009).
إدارة استدامة النمو
لقد تضاعف عدد سكان الوطن العربي ثلاث مرات تقريباً ليصل إلى 359 مليون نسمة بفضل زيادة معدلات الخصوبة وارتفاع متوسط العمر المتوقع، وذلك بمعدل نمو سنوي بلغ أكثر من 2٪ مابين السنوات الممتدة من 1970 وحتى 2010 («ميركن» 2010). وقد أدى هذا النمو إلى زيادة معدلات الطلب على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والإسكان والمياه وشبكات الصرف الصحي والتي فاقت معدلات نمو الدخل القومي والإيرادات الحكومية («ريتشارد»2009). كما أدت الهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية إلى زيادة الفقر، ناهيك عن عدم كفاية جمع النفايات الصلبة والتخلص منها، والمشاكل الناجمة عن النفايات السامة والخطرة، وضعف مرافق الصرف الصحي أو عدم توفرها، وتدهور البيئة الحضرية والمناطق الساحلية (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا،2009). أضف إلى ذلك الآثار الاجتماعية المتعلقة بالاتجاهات الديموغرافية على صعيد الزواج والأسرة، ووضع المرأة، ورعاية المسنين («ميركن» 2010).