في أوائل التسعينيات، ظهرت في العالم العربي رواية تنموية مشابهة جداً لتلك التي في الولايات المتحدة؛ مبنية على الإنتقال إلى الإقتصادات القائمة على المعرفة، وما يرافق ذلك من ارتفاع في معدلات الأجور وزيادة في الطلب على الوظائف التي تتطلب مهارات عالية. وقد أظهر «شوالييه» (2011) أن سبعة عشر بلداً من البلدان الإثنتين والعشرين في الوطن العربي لديها تنمية لإقتصادٍ قائم على المعرفة تم تحديده على أنه أحد أهداف السياسات الإقتصادية متوسطة وبعيدة المدى.
وقد أظهر «شوالييه» (2011) أن سبعة عشر بلداً من البلدان الإثنتين والعشرين في الوطن العربي لديها تنمية لإقتصادٍ قائم على المعرفة تم تحديده على أنه أحد أهداف السياسات الإقتصادية متوسطة وبعيدة المدى.
وربما كانت جاذبية مسارات التنمية الاقتصادية، وتوصيات السياسات التي وعدت بالمهارات العالية والوظائف ذات الأجور المرتفعة، لا تُقَاوَم في منطقةٍ تشهد زيادة في تنامي الشريحة الشبابية في التكوين الديموغرافي العربي، حيث تشير المؤشرات إلى توقع ارتفاع المكون الديمغرافي الشبابي، في فئة الأعمار من 18 إلى 24 عامًا، إلى 88 مليون شاب بحلول عام 2030 بنسبة تمثل 20٪ تقريبًا من عدد السكان (الأمانة 2008).
تجدر الإشارة إلى أن البنك الدولي كان قد استضاف مؤتمراً دولياً حول اقتصاديات المعرفة عُقِدَ في عام 2009 بالعاصمة التونسية وتمخضَ عنه «إعلان تونس حول بناء اقتصادات المعرفة». وقد دعا الإعلان إلى مراجعة الاستراتيجيات التنموية والانتقال نحو اقتصاد المعرفة؛ وأشار إلى ضرورة قيام العالم العربي بخلق 5 ملايين فرصة عمل سنويًا على مدى العشرين عامًا القادمة، موضحاً العلاقة السببية بين اتباع نهج التنمية الاقتصادية القائمة على المعرفة وما يترتب عليها من خلق للوظائف، مما سيؤدي إلى الحاجة إلى زيادة الطلب على العمالة ذات المهارات العالية.
ويشير الإعلان إلى أنه بفرض أن العالم العربي قادر على تطوير «قاعدة تربوية متينة، وبنية معلومات ديناميكية، ومنظومة فعالة للابتكار، ونظام اقتصادي ومؤسسي قوي، فإن التوجه نحو اتباع سياسات التنويع الاقتصادي سيؤدي إلى زيادة خلق فرص العمل في القطاع الخاص (معهد البنك الدولي 2009)». بيد أنه، و لسوء الحظ، لم يتحقق الكثير من هذه النتائج بالنسبة للدول الـ(21) الموقعة على وثيقة إعلان تونس بشأن بناء اقتصادات المعرفة في الوطن العربي (الجزائر، البحرين، جيبوتي، مصر، العراق، الأردن، الكويت، لبنان، ليبيا، موريتانيا، المغرب، عمان، فلسطين، قطر، المملكة العربية السعودية، الصومال، السودان، سوريا، تونس، الإمارات العربية المتحدة، اليمن).
وبالإضافة إلى اكتساب القوى العاملة للمهارات العالية، وخلق فرص للعمل برواتبٍ وأجورٍ مرتفعة، فإن تعريب مفهوم الاقتصاد القائم على المعرفة أدى إلى ربط التنمية الاقتصادية مع مجموعة من القضايا التنموية الأخرى مثل التكامل والتنويع الاقتصادي ، والابتكار، وريادة الأعمال، وإصلاح نظام التعليم والتدريب، والاستدامة البيئية، والهوية، واللغة، والمساواة بين الجنسين، والمشاركة السياسية والإصلاح الديمقراطي.
وكما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، كان استيراد مفهوم اقتصاد المعرفة إلى المنطقة العربية مصحوبًا بتركيزٍ مماثل على رفاهية الأفراد الذين يرتبطون مباشرةً بنجاحهم في اكتساب مؤهلات ومهارات عالية يمكن جني ثمارها في سوق العمل والحفاظ عليها، وهي مهارات تطلبها الشركات لشغل الوظائف ذات الأجور المرتفعة والتي من المتوقع أن تأتي من القطاعات الاقتصادية الناشئة القائمة على الاقتصاد المعرفي والتي تشترط مهارات عالية.
لقد أسهَمَ مفهوم اقتصاد المعرفة في إثراء النقاش حول السياسات المتبعة في مواجهة التحديات التنموية الأساسية التي يواجهها الوطن العربي، كما أوجَدَ حالة من الاتساق بين التوجهات التنموية المختلفة وبخاصة على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي.
ومع حرص الدول العربية على تطبيق وتوطين الإصلاحات التي تهدف إلى إحداث تنمية اقتصادية قائمة على المعرفة، إلا أن هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى ترجمة ذلك التوجه على أرض الواقع بخلق فرص عمل ملموسة كنتيجة لمتابعة تلك الإصلاحات باتجاه تأسيس اقتصادات المعرفة.