تشير جودة التعليم في المجال التربوي إلى مفهومٍ واسع يشمل مجموعة من المعايير و الإجراءات تهدف إلى التحسين المستمر في المنتوج التعليمي والتطوير المتواصل للمناهج والعمليات وبيئات التعلم، ويرتكز على توظيف البيانات ويعتمد على العمل الجماعي ومشاركة العاملين في عملية التحسين المستمرة من خلال استثمار امكاناتهم وخبراتهم ومؤهلاتهم وقدراتهم الفكرية في مختلف مستويات التنظيم بشكلٍ إبداعي. وفي حين أن العديد من الجهود الرامية إلى تحسين التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي تمحورت حول تعزيز المناهج وتدريب المعلمين، لم يتم عمل الكثير لتعزيز المرافق المدرسية للتعامل مع المتطلبات المتغيرة لهذه الاقتصاديات.
أظهرت الأبحاث في عددٍ من البلدان أن الحفاظ على جودة المرافق المدرسية أمر مهم لتعزيز الناتج الإجمالي للتعليم لأنه يؤثر على صحة الطلاب، ومعدلات التغيب، ومنع تسرب الطلاب والمعلمين والإدرايين، ومستوى الأداء الأكاديمي للطلاب.
ونظراً لأن هذا التحدي لا يقتصر على المستوى المحلي ويطال قطاع المدارس العامة في المنطقة، لذا لابد من إطلاق برامج منهجية لتطوير وتحديث المرافق المدرسية لتعزيز الناتج الإجمالي لأنظمة التعليم في بلدان مجلس التعاون الخليجي.
وإلى جانب التسبب في حرمان الطلاب من فرصة الحصول على تعليم نوعيّ، يساهم انخفاض مستوى جودة المرافق في المدارس الحكومية أيضًا في زيادة الطلب من جانب أولياء الأمور على تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة، وبالتالي يُسهِم ذلك في ارتفاع رسوم المدارس الخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة. فعلى سبيل المثال، في دبي، يقوم أولياء أمور الطلاب، من المواطنين والمقيمين الذين يسعون للحصول على أفضل النتائج التعليمية لذويهم، باختيار المدارس الخاصة التي تترواح فيها الزيادة في الرسوم الدراسية بين 3٪ و 6٪ استنادًا إلى تصنيف المدرسة ومستوى أدائها العلمي والتربوي من جهة، ومعدل التضخم التعليمي من جهةٍ ثانية. ويمكن للمدارس عالية الأداء أيضًا التقدم بطلبات للحصول على الموافقة على زيادة رسومها الدراسية بهدف تنفيذ أعمال البنية الأساسية أو النهوض بالمرافق المدرسية بشرط الإلتزام بمعايير محددة ومنها على سبيل المثال الحصول على نسب متفوقة في تقارير الرقابة المدرسية الرسمية، وزيادة الاستثمار في الكوادر التدريسية والفنية والإدارية من حيث الرواتب والتدريب والتطوير المهني للمعلمين، وارتفاع معدل الاستثمار في المباني والآليات مثل توفير الحافلات المدرسية المكيفة والحديثة، و نسبة الطلبة المسجلين من أصحاب الهمم، بالإضافة إلى إحراز نسب معينة في تقارير التقييم التربوي، ومعايير أخرى لايتسع المقام لذكرها.
وفي حين أن نية هذه السياسة تتمثل في مكافأة الأداء، فإن الخطر يكمن في استمرار وجود مرافق منخفضة الجودة في المدارس العامة بسبب عدم قدرة المدارس العامة على تحميل تكاليف تحديث المرافق وصيانتها على أولياء أمور الطلاب.
وتعتمد المدارس اﻟﻌﺎﻣﺔ في دولة الإمارات العربية المتحدة على التمويل الحكومي لأعمال البنية التحتية والإنشاءات المدرسية والمرافق والأجهزة التعليمية والمختبرات الدراسية وسداد رواتب الهيئات الإدارية والتعليمية من خلال المخصصات الكبيرة التي توجه إلى الميزانيات المحلية والإتحادية والتي لديها أيضاً أولويات أخرى متعددة ﻓﻲ اﻹﻧﻔﺎق، ﻓﻲ حين أن المدارس الخاصة يتوفر لديها الحافز الربحي؛ فهي إلى جانب كونها مؤسسات أهلية تقدم خدمات تعليمية للمجتمع، تسعى أيضاً إلى تحقيق الربحية للحفاظ ﻋﻟﯽ مستوى المرافق فيها وتحسينها. وتتطلب تحسينات المرافق في المدارس الحكومية إما بندًا أكبر في الميزانية يتم تخصيصه لهذا الغرض، أو مخصصات سنوية تحت باب البنود الإضافية الموجهة بشكلٍ خاص إلى أعمال إعادة التأهيل لصيانة تلك المرافق بما يفوق تمويل العمليات اليومية للمدارس العامة.
وقد خلقت هذه الحالة وضعاً تمكنت فيه المدارس الخاصة من زيادة رسومها نظراً لضعف المنافسة من جانب المدارس الحكومية والتي من الممكن أن تُسهِم في تخفيف التضخم التعليمي إذا تمكنت من المضي قدماً في تطوير مرافقها.
والأهم من ذلك، أن مثل هذه الإجراءات لديها القدرة على فرض مسارين على أرض الواقع حيث يكون مستوى المرافق أقل، وينعكس ذلك سلباً على النتائج التعليمية، بينما تسمح آليات السوق والتنظيم للمدارس الخاصة المميزة من تحميل تكاليف تحسين مرافقها على جيوب أولياء الأمور. ومن جانبنا، نقدر أن تكلفة تحديث وتطوير المدارس في قطاع التعليم العام بالدولة سوف تتطلب استثمارًا بقيمة 1.35 مليار دولار [بحسب تقديرات عام 2012] والذي لا يؤثر في الصيانة المستمرة أو التوسع لاستيعاب معدلات الطلب المرتفعة على المقاعد الدراسية ونسب التحاق التلاميذ.
وتتطلب هذه المشاكل شراكة قوية ومستدامة بين جميع المؤسسات على المستوييّن المحلي والاتحادي، بالتنسيق مع القطاع الخاص، لأن أصحاب المدارس الخاصة يتأثرون أيضاً بارتفاع أجور المعلمين والإداريين العاملين لديهم إلى جانب تكاليف السكن والتأمين الصحي لهم ولأسرهم والتخفيضات التي يحصلون عليها عند دفع رسوم أبنائهم. أضف إلى ما سبق ذكره أن مرافق التعليم المدرسي العام الحديثة تُعَد ضرورية لإنشاء المدارس التي تحتاجها الدولة للمنافسة في القرن الواحد والعشرين مع ضمان توفير الفرص المتكافئة والتخلص من التضخم في مجال التعليم. وعلاوة على ذلك، يُعَد الاستثمار في المدارس العامة بدولة الإمارات العربية المتحدة أيضًا آلية لخلق الوظائف في هذا القطاع الحيوي.
واستنادًا إلى أرقام مماثلة من قانون الوظائف الأمريكي لإعادة بناء وتحديث مدارس الولايات المتحدة الأمريكية، فإن كل مبلغ يُقدر بنحو 78,000 دولار يُنْفَق على تحديث المدارس يؤدي إلى خلق وظيفة واحدة وهو في الواقع تقدير متحفظ للغاية حيث أن مستويات الأجور في قطاع البناء والتشييد أقل بكثير في الدولة. وهذا يعني أنه سيتم إيجاد حوالي 17,000 فرصة عمل خلال تنفيذ عمليات تحديث منظومة المرافق في المدارس العامة بدولة الإمارات العربية المتحدة. وتُظْهِر بعض النماذج التي تتضمنها هذه الدراسة منهجية استخلاص هذه الأرقام مع معلومات إضافية حول تحدي تمويل مرافق المدارس العامة في دولة الإمارات العربية المتحدة.