ينبغي وضع السياسات والاستراتيجيات المبتكرة وتطبيق أفضل الممارسات العالمية التي تتجاوز الأنماط ذات التأثير المنخفض وإنشاء بوابات إلكترونية تزيد من تفاعل المواطنين ومشاركتهم بهدف تحسين الأداء والإرتقاء بالخدمات المقدمة لهم، وتعزيز المشاركة الفعالة والتعاونية بين الحكومة والمواطنين في عملية وضع السياسات العامة واتخاذ القرارات.
وفي حين يمثل استخدام التكنولوجيا قاسماً مشتركاً بين المبادرات العربية في مجال البيانات المفتوحة ومثيلاتها الموجودة في بلدان العالم الأخرى، إلا أن هناك عوامل اجتماعية وثقافية ومؤسسية أثرت بالسلب على فعالية مبادرات البيانات المفتوحة في دول مجلس التعاون الخليجي. ووفقاً لتقريرٍ جديد لشركة تحسين للاستشارات، فإن واقع معظم مبادرات البيانات المفتوحة في دول مجلس التعاون الخليجي لا يرقى للممارسات الدولية الأخرى بالمقارنة مع برامج البيانات المفتوحة في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ويضع التقرير إطاراً شاملاً مدعوماً بأفضل الممارسات العالمية في هذا المجال؛ والذي يمكن للحكومات استخدامه لتحسين مبادرات البيانات المفتوحة في البلدان العربية وجعلها متوافقة مع الممارسات الجيّدة المتبعة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتتيح البيانات المفتوحة للمستخدمين حرية استخدامها، وإعادة استخدامها، ونشرها، وتوزيعها، وتحميلها، بشرط نسبتها إلى مصادرها ومراعاة القوانين المتبعة وضوابط حماية حقوق النشر والتوزيع وحقوق الملكية الفكرية؛ ولا تعتبر البيانات مفتوحة إلا إذا كانت متاحة قانونياً ومفتوحة تقنياً. وهناك قطاعات عديدة تتوفر بها بيانات مفتوحة منها على سبيل المثال وليس الحصر قطاعات النقل والصحة والتعليم والمرور واستخدام الخدمات الإلكترونية وغيرها، حيث تقدم للجمهور معلومات مثل جداول الرحلات في المواصلات العامة، أو مواقع المستشفيات، أو البيانات الخاصة بتسجيل الطلاب في المدارس مثل متطلبات الإلتحاق والتسجيل والأوراق المطلوبة والرسوم الدراسية؛ أو إحصائيات الولادة؛ أو بيانات حركة المرور؛ أو الأحوال الجوية وأخبار الطقس؛ وهي مجرد أمثلة لبيانات مفتوحة يصعب حصرها في هذه العجالة، وقد تكون مؤهلة كمبادرات حكومية مفتوحة.
ومع ذلك، ومن خلال التركيز على الأنشطة الحكومية ذات الأولوية المنخفضة نادراً ما تقدم مبادرات البيانات المفتوحة في دول مجلس التعاون الخليجي معلومات إضافية غير متوفرة بالفعل عبر وسائل الإعلام التقليدية أو المواقع الإلكترونية الخاصة بالمؤسسات.
عرض نتائج وتوصيات التقرير
وفي حين أن احتضان الحكومة المفتوحة لاستكمال توفير خدمات القطاع العام لا يزال في مهدهِ في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هناك الكثير من التوقعات بأن البيانات المفتوحة سيكون لها تأثيرات تحولية على تمكين المواطنين من التواصل مع بوابات البيانات الحكومية المفتوحة، وتعزيز تدفق المعلومات في الإتجاهين، وطريقة عمل كيانات القطاع العام.
وبالمقارنة مع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تركز معظم دول مجلس التعاون الخليجي على البوابات الوطنية للبيانات المفتوحة بدلاً من المبادرات على مستوى الأقاليم والمدن.
لذا، هناك حاجة إلى التوعية بأهمية البوابات الحكومية للبيانات المفتوحة وما تحققه من منافع للجمهور، وتفعيل قوانين الحق في المعلومات، وإشراك القطاعين الإجتماعي والأكاديمي في هذه الجهود، وتطوير البرامج والدورات التدريبية باتجاه المزيد من البيانات المفتوحة الفعالة.
وفي هذا الإطار يقول السيد «ويزلي شوالييه» الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة تحسين للاستشارات وكاتب هذا التقرير: «هناك العديد من الأمثلة على أفضل الممارسات المتاحة للحكومات في مجال البيانات المفتوحة من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والتي يمكن تطبيقها بشكلٍ أكثر فعالية في دول مجلس التعاون الخليجي. إن استخدام التكنولوجيا ليس بديلاً عن تطبيق اصلاحات أعمق باتجاه الشفافية والمساءلة والتعاون.
يجب أن تتحول مبادرات البيانات المفتوحة الحالية من مجرد نشر موضوعات غير حساسة إلى مبادراتٍ تُمَكِّن فيها البوابات الحكومية للبيانات المفتوحة مستخدميها من التفاعل والمشاركة في صياغة القرارات والسياسات العامة وتحسين تقديم الخدمات للمتعاملين».
كيف يمكن مقارنة مبادرات البيانات المفتوحة لدول مجلس التعاون الخليجي بالمعايير المعمول بها في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ؟
على الرغم من أن العديد من دول مجلس التعاون الخليجي استثمرت بشكلٍ كبير في مبادرات الحكومة المفتوحة وبرامج البوابات الحكومية للبيانات المفتوحة وإنشاء سلطات الحكومة الإلكترونية، إلا أن أبحاثنا خلصت إلى أن برامج البيانات الحكومية المفتوحة في دول مجلس التعاون الخليجي قد لا تلبي احتياجات المواطنين بشكلٍ كافٍ. لذا، يتعين على الحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي أن تتجه إلى تلبية التوقعات الجديدة للمتعاملين من خلال المشاركة والتفاعل معهم، وتقديم الخدمات الحكومية النوعية لهم، وتوفير حلول التعهيد الجماعي للقضايا المجتمعية، وزيادة الشفافية والمساءلة
يجب على حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تلبية توقعات المواطنين المتنامية من خلال إظهار التزام واضح على مستوى عالٍ بمعايير الحكومة المفتوحة المتقدمة وبرامج البيانات المفتوحة، ووضع إرشادات شاملة للتنفيذ، وضمان الموارد الكافية للتطبيق.
وفي السياق نفسه، دعا السيد وليد العرادي، الرئيس التنفيذي لشركة تحسين للاستشارات، إلى ضرورة «وضع المبادئ التوجيهية ومعايير البيانات لمبادرات البوابات الحكومية للبيانات المفتوحة بشكلٍ أكثر تحديداً من قِبَل مؤسسات القطاع العام والدوائر الحكومية في بلدان مجلس التعاون الخليجي»، وأضاف السيد وليد العرادي: «تظل معظم المبادئ التوجيهية لمبادرات البوابات الحكومية للبيانات المفتوحة في بلدان مجلس التعاون الخليجي على مستوى عام، ويتم وضع الخطوط العريضة للمبادئ الأساسية دون تحديد كيفية تنفيذ الجهات الحكومية لبرامجها أو أنواع البيانات التي يجب نشرها».
وقد قامت شركة تحسين للاستشارات بوضع آليات تشخيص وتحليل مستوى أداء البوابات الحكومية للبيانات المفتوحة لمساعدة حكومات دول مجلس التعاون الخليجي على تبني أفضل الممارسات لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه المبادرات من خلال نهج مبتكر قائم على الحوكمة الرشيدة وتقديم الخدمات الحكومية للجمهور بكفاءة وفاعلية. وتوفر هذه الأدوات التي طورتها شركة تحسين للاستشارات إطار عمل مقارن يُمَكِّن مؤسسات القطاع العام والدوائر الحكومية من رصد وتحليل البيانات المفتوحة المتاحة عبر بواباتها الإلكترونية، وتحديد التغييرات التنظيمية المحددة التي ينبغي القيام بها من أجل الوصول إلى مراحل أعلى من نضج الحكومة المفتوحة، وكذلك نضج البيانات المتاحة للجمهور، ومقارنة مستوى النضج المؤسسي مع الكيانات الأخرى في المنطقة.
رؤى تساعد حكومات دول مجلس التعاون الخليجي على النجاح في مبادرات البيانات الحكومية المفتوحة استجابة لتوقعات المواطنين المتزايدة
أدى نقص التوجيهات بشأن كيفية تطبيق أفضل الممارسات في مجال الحكومة المفتوحة وبوابات البيانات الحكومية المفتوحة وتقاليد الحوكمة في مؤسسات القطاع العام إلى قيام العديد من تلك المؤسسات بإدخال برامج ذات تأثير سياسي منخفض لم تنجح في تعزيز الشفافية وزيادة مشاركة المواطنين في صنع القرارات والتعاون في تقديم الخدمات العامة. وفي هذا الإطار يقول الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة تحسين للاستشارات، ويزلي شوالييه، أنه «في كثيرٍ من الأحيان، تُرَسِّخ التكنولوجيا الممارسات المؤسسية القائمة بدلاً من تغيير السلوكيات التنظيمية القديمة».
ويضيف: «إن تقديم مبادرات الحكومة المفتوحة والبيانات المفتوحة المتسقة مع المبادرات التي اضطلعت بها دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية سيتطلب إصلاحات مؤسسية على المستوى الوطني بالإضافة إلى إدخال تغييرات تنظيمية كبيرة في العديد من الكيانات».
وتحدد الدراسة التي أجرتها شركة تحسين للاستشارات العديد من الطرق التي يمكن من خلالها لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي مواءمة برامج الحكومة الإلكترونية وبوابات البيانات الحكومية المفتوحة مع برامج مماثلة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومنها:
- وضع تشريعات تنظم الحصول على المعلومات: لم تضع العديد من الدول العربية تشريعات تنظيمية خاصة بحق الحصول على المعلومات وتمكين الجمهور من طلب البيانات. وبالإضافة إلى ذلك فهي تفتقر إلى الآليات التي يمكن من خلالها التعامل مع طلبات المتعاملين الحصول على البيانات. ولهذا يجب وضع التشريعات المناسبة في العديد من البلدان لتنظيم الحصول على البيانات والتغلب على ثقافة السرية السائدة التي تحد من وصول الجمهور إلى المعلومات.
- تفعيل قوانين حماية البيانات الشخصية: مبدأ الحق في خصوصية المعلومات الشخصية موجود في بعض الدساتير العربية، وهناك قواعد تنظيمية تشترط الموافقة على جمع البيانات الشخصية ومعالجتها. ومع ذلك ، هناك عدد قليل جداً من الدول لديها قوانين تحمي المعلومات الشخصية. وتحتوي العديد من سياسات خصوصية البيانات في المنطقة على بنودٍ عامة ذات صلة باتخاذ إجراءات لمنع الاستخدام والكشف عن المعلومات ولكنها لا تحدد طرقاً معينة للامتثال. وبناءً على ذلك، ينبغي تحديث قوانين حماية البيانات الشخصية للحد من مخاوف المواطنين حول كيفية استخدام بياناتهم الشخصية.
- زيادة مشاركة المجتمع المدني: هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى أن المجتمع المدني أو المجموعات المهنية لتكنولوجيا المعلومات يتم إشراكها بشكلٍ نشط من قبل الحكومات في تشكيل الحكومة المفتوحة ووضع استراتيجيات البيانات، وتحديد متطلبات البيانات، أو زيادة استخدام المواطنين للبيانات المفتوحة. وعادةً ما يتم تصميم مبادرات البيانات المفتوحة لنشر البيانات بدلاً من إنشاء حوار حقيقي حول البيانات التي قد يتطلبها المجتمع. وهناك دور هام يمكن أن يلعبه المجتمع المدني في تحديد أنواع البيانات التي قد يجدها المواطن مفيدة، وكذلك في تحليل البيانات المتاحة للجمهور.
- تأسيس مبادرات على مستوى الأقاليم والمدن: معظم الكيانات التي لديها بوابات للبيانات المفتوحة عبارة عن جهات حكومية مثل الوزارات والبلديات أو الدوائر أو الهيئات الإتحادية. والمطلوب مزيد من التركيز على إطلاق مبادرات على مستوى الأقاليم والمدن لضمان تلبية الاحتياجات على المستوى المحلي.
- زيادة مشاركة الوسط الأكاديمي: هناك القليل من الأدلة على أن المجتمع الأكاديمي ومؤسسات التعليم العالي تنشر البيانات المفتوحة في نطاق اختصاصها البحثي. على سبيل المثال، نادراً ما تتضمن إرشادات المنح الخاصة بتلقي التمويل من الصناديق البحثية الوطنية نصوصاً لنشر البيانات التي قد تكون مفيدة للباحثين الآخرين. لذا، ينبغي ترسيخ ثقافة البحوث المؤسسية التي تدعم تبادل البيانات لتشجيع البحوث العلمية ذات التأثير العالي.
- تحسين نظام التعليم والتدريب: على مستوى التعليم العالي، تقدم العديد من الجامعات الحكومية والأهلية شهادات في علوم الحاسوب ونظم المعلومات التي تتناول المفاهيم المتعلقة بالحكومة المفتوحة والبيانات. ومع أن هناك تخصصات تكنولوجية يتم تدريسها في مؤسسات التعليم العالي، إلا أن العديد من تلك البرامج لا تقدم تدريباً مكثفاً بشكلٍ أكبر في مجالات مثل علم البيانات، وتكنولوجيات التصوير البياني، والمسائل القانونية المتعلقة بالبيانات المفتوحة، وريادة أعمال البيانات المفتوحة.