لماذا تنظر شركات التكنولوجيا العالمية إلى باكستان باعتبارها وجهتهم التالية؟
- من المتوقع أن يصل حجم التعاملات في قطاع التجارة الإلكترونية في باكستان إلى 7 مليارات دولار بحلول عام 2020.
- وهذا حتماً سيؤدي إلى سباق الذهب الرقمي بالنسبة لشركات التكنولوجيا العالمية التي تتنافس على دخول الأسواق الباكستانية.
من المتوقع أن يتجاوز قطاع التجارة الإلكترونية في باكستان حاجز المليار دولار هذا العام ليصل إلى 7 مليارات دولار بحلول عام 2020، مدفوعاً بزيادة انتشار خدمات الإنترنت ذات النطاق العريض واستخدام الهواتف الذكية. باكستان لديها بالفعل 151 مليون مشترك في الهواتف الخلوية، و57 مليون مستخدم للإنترنت عبر الهواتف المحمولة، و60 مليون مستخدم للإنترنت عريض النطاق، ويُضاف إلى ذلك أكثر من مليون مستخدم جديد كل شهر يحصلون على النفاذ إلى الإنترنت. كما تنبأت شركة جوجل بأن تكون باكستان واحدة من الدول الأربع التي سيأتي منها مجتمعة مليار مستخدم للهواتف الذكية.
الاقتصاد الرقمي المزدهر في باكستان، وكثافتها السكانية البالغة 194 مليون نسمة، أسالت لعاب شركات تكنولوجيا عالمية تتسابق الآن فيما بينها لتحصل على موطئ قدم لها في الأسواق الباكستانية فيما يبدو من المرجح أن تكون مسرحاً لسباق الذهب الرقمي القادم. وفي خطوة قد تزيد من تحفيز هذه الشركات، من المقرر أن تطرح باكستان خدمات الجيل الخامس في أقرب وقت في العام المقبل، الأمر الذي سيجعلها أول دولة في جنوب آسيا تقوم بذلك. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يرتفع التمويل الجديد ستة أضعاف إلى 300 مليون دولار في العام بحلول عام 2020 مع اكتمال نضج البيئة الحاضنة لريادة الأعمال في القطاع التكنولوجي.
وقد بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى بالفعل في اتخاذ خطوات في البلاد مع دخول كبريات شركات التكنولوجيا الصينية الأسواق الباكستانية
فقد استحوذت منصة (علي بابا) الصينية للتجارة الإلكترونية على منصة للتسوق الإلكتروني مشابهة لموقع (علي بابا) ألا وهي منصة (داراز) الباكستانية في وقتٍ سابق من هذا العام مقابل 200 مليون دولار. كما استثمرت (آنت فاينانشال) التابعة لمجموعة (علي بابا) مبلغ 184.5 مليون دولار للحصول على حصة 45٪ من أسهم مصرف (تيلينور) للتمويل الأصغر في باكستان بهدف تطوير خدمات الدفع عبر الهاتف المحمول والخدمات المالية الرقمية.
ونتيجة لهذا الاستثمار، ستقوم منصة (أليباي)، للدفع عبر الإنترنت والهواتف الذكية التابعة لـ(آنت فاينانشال)، بإطلاق عملياتها في باكستان أواخر 2018.
تدفق الاستثمارات على القطاع الرقمي الباكستاني من شأنهِ تسريع استيعاب شركة (فنتك) في قطاع الخدمات المالية في البلاد، والتي تُعَد بالفعل شركة رائدة إقليمية في مجال التمويل وقطاع الخدمات المصرفية الرقمية التي لا تحتاج فروعاً بنكية نتيجةً لإزدهار التجارة الإلكترونية بين الشركات والمستهلكين، اضافة إلى توفر أنظمة الاتصالات المتقدمة.
كما أن مبادرة الممر الاقتصادى الصينى الباكستانى، من ناحية أخرى، من شأنها إحداث تحسينات فى البنية التحتية لشبكة الإنترنت في البلاد، وسينعكس ذلك بشكلٍ ايجابي على جذب المزيد من الإستثمارات من جانب كبريات شركات التكنولوجيا الصينية.
وبالإضافة إلى شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة، يتطلع عدد من الشركات الدولية الكبرى الأخرى إلى دخول السوق الباكستانية. فعلى سبيل المثال ، أجرت شركة أمازون التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها مفاوضات مع منصة التسوق الإلكتروني الباكستانية (كلِكي دوت بي كيه) استحوذت في اثرها على 33٪ من أسهم الشركة الباكستانية.
وسبقَ ذلك قيام شركة (أوبر) بتدشين عملياتها في البلاد في عام 2016، في حين تسعى شركة الإعلانات المبوبة (أوليكس) جاهدةً لتصبح المنصة الإلكترونية الرائدة في البلاد في مجال مبيعات السيارات المستعملة.
وبالإضافة إلى ضخ هذه الاستثمارات واسعة النطاق، كان عدد من الشركات العالمية يتطلع أيضاً إلى الحصول على تطبيقات الهاتف المحمول الباكستانية. على سبيل المثال، شركة (بَزفِل) الكورية الجنوبية استحوذت مؤخرًا على تطبيق قفل الشاشة الذكي (سلايد).
وتتخذ الحكومة الباكستانية خلال ذلك خطوات من أجل وضع الأسس التنظيمية لاقتصاد رقمي قوي، واجتذاب اهتمام المستثمرين الدوليين بهذا القطاع الحيوي، اضافة إلى خلق البيئة الحاضنة والمشجعة لريادة الأعمال.
وتتخذ الحكومة الباكستانية خلال ذلك خطوات من أجل وضع الأسس التنظيمية لاقتصاد رقمي قوي، واجتذاب اهتمام المستثمرين الدوليين بهذاومن بين الخطوات التي تعتزم الحكومة الباكستانية القيام بها سن سياسات جديدة متوافقة مع النظام الرقمي، ومنح اعفاءات وحوافز ضريبية لصادرات تكنولوجيا المعلومات، وضخ وجذب المزيد من الإستثمارات لتعزيز روح المبادرة التكنولوجية والمهارات الرقمية في البلاد. وعلى سبيل المثال، مددت الحكومة السابقة في شهر مايو الماضي الإعفاءات الضريبية لصادرات تكنولوجيا المعلومات، ودفعت الأقاليم الباكستانية إلى اعتماد ضريبة مبيعات بنسبة 5٪ على الخدمات الرقمية.
ويبدو أن حكومة حزب حركة إنصاف الباكستاني التي تم انتخابها مؤخرًا مهيأة لتقديم المزيد من الدعم لقطاع تكنولوجيا المعلومات، وذلك بعد أن أصبحت أول حكومة لحزب سياسي باكستاني يتسلم السلطة باستراتيجية ورؤية واضحة لبناء الاقتصاد الرقمي والاستفادة من التكنولوجيا لإحداث تحولات اقتصادية واجتماعية في باكستان. تضع هذه الإستراتيجية صناعة تكنولوجيا المعلومات في قلب السياسات الاقتصادية لحكومة حزب حركة إنصاف الباكستاني، وتهدف إلى جعل البلاد أكثر جاذبية لشركات التكنولوجيا.
وكإحدى ركائز استراتيجيتها، تعكف الحكومة الباكستانية على التخطيط للقيام بمبادرات رئيسية لتطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلاد، وتعزيز الحكومة الإلكترونية، وزيادة صادرات منتجات تكنولوجيا المعلومات، وجعل تشريعاتها ولوائحها أكثر انفتاحاً على العالم. وبالإضافة إلى ذلك، اقترحت حكومة حزب حركة إنصاف الباكستاني تأسيس كيان جديد أطلقت عليه (الجهاز المركزي لاقتصاد المعرفة) بهدف تعزيز الاقتصاد الرقمي في الباكستان.
كما تستثمر الحكومة بشكلٍ كبير في الجهود الرامية لمحو أمية تكنولوجيا المعلومات والتدريب على المهارات الرقمية بدعم من القطاع الخاص. ووفقاً لدراسة حديثة، توفر باكستان 9٪ من اجمالي عدد المتعاقدين المستقلين على مستوى العالم.
وعلى هذا النحو، تنظر الحكومة إلى خدمات تكنولوجيا المعلومات التي يتم الاستعانة فيها بمصادرٍ خارجية باعتبارها مجالاً رئيسياً لضخ المزيد من الاستثمارات، وخلق فرص عمل جديدة في البلاد، علاوة على أنها تضع الأسس الراسخة للقوى العاملة الماهرة في قطاع التكنولوجيا.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف، أطلقت وزارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مراكز وطنية لدعم المشروعات الصغيرة في المدن الرئيسية في جميع أنحاء البلاد لتعزيز قطاع ريادة الأعمال. وفي الوقت نفسه، قام برنامج (روزكار) للتدريب على المهارات الرقمية التابع لحكومة البنجاب، حتى الآن، بتدريب أكثر من 10,000 خريج جامعي على مهارات العمل الحر. وقد تم إطلاق برامج تدريبية مماثلة في أقاليم باكستانية أخرى، بما في ذلك برنامج التدريب على المهارات الرقمية لإقليم (خیبر پختونخوا)، والبرنامج الوطني للمهارات الرقمية.
وبموازاة ذلك، شرعت الشركات الدولية في تقديم الدعم لمبادرات الحكومة الباكستانية للتدريب على المهارات الرقمية وريادة الأعمال. وعلى سبيل المثال، شارك فيسبوك مع برنامج (روزكار) بإقليم البنجاب في تنظيم دورات تدريبية للشباب. وفي الوقت نفسه، أطلقت شركة هواوي الصينية مسابقة في مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للطلاب الباكستانيين بالشراكة مع مفوضية التعليم العالي الباكستانية، وقد تنافس في هذه المسابقة عشرة آلاف طالب. كما نظمت شركات التكنولوجيا مسابقات للشركات الناشئة في باكستان، مثل (أوبربتش) و (كريم إرَبت). ذه المبادرات تبشر بالخير بالنسبة لتنمية الاقتصاد الرقمي في باكستان، لكن البلاد بحاجة لوضع الأسس التنظيمية اللازمة للمحافظة على النمو المستقبلي لهذا القطاع الواعد.
ومن الخطوات المطلوبة في هذا الاتجاه، القيام بتخفيض الضرائب على خدمات الهاتف المحمول، وتوضيح الموقف المتعلق بفرض ضريبة مبيعات على الخدمات الرقمية في الأقاليم الباكستانية، اضافة إلى سن قوانين خصوصية البيانات طبقاً لأفضل الممارسات العالمية. وينبغي أن تعمل أيضاً على تحقيق التوازن بين تطوير اقتصادها الرقمي وبين المخاوف المتعلقة بحرية التعبير والتي بسببها دخلت في مشاحنات مع منصات التواصل الإجتماعي مثل تويتر والفيسبوك.
وفي انتظار أن نرى ما إذا كانت الحكومة ستنفذ هذه التغييرات، ستواصل شركات التكنولوجيا العالمية ضخ استثماراتها في باكستان حيث لا تريد أن تضيَع فرصة جني الأرباح من قطاع الاقتصاد الرقمي الباكستاني.