الدراجة الكهربائية، أو السكوتر الكهربي، تُجسد أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا الذكية من خلال تصميم أنيق ومريح وعبقري. وقد ارتفعت شعبية الدراجات الكهربائية في جميع أنحاء أمريكا الشمالية خلال العام ونصف الماضي، وهي الآن تستعد للانتشار في السوق العالمية. وقد أعلنت مؤخرًا شركة (لايــم)  لتأجير الدراجات الكهربائية من خلال تطبيقات الهاتف المحمول، والتي تعمل في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وسويسرا، أن زبائنها قد قاموا بعمل 11.5 مليون رحلة خلال الأربعة عشر شهرًا الماضية. وفي هذه الأثناء، قامت شركة منافسة وهي شركة (بيـــرد) الناشئة، والتي تعمل في الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل، بتسجيل عشرة ملايين رحلة بالسكوتر الكهربي، من خلال تطبيقها، في عامٍ واحدٍ فقط منذ انطلاق العمليات.

مجموعة من شركات النخبة في وادي السيليكون، بما في ذلك (أوبر) و (ألفابت)، اضافة إلى كبرى شركات رأس المال المخاطر، تدعم، مجتمعةً، شركتي (لايــم) و(بيـــرد). وقد جمعت الشركتان مبلغ 882 مليون دولار من التمويل، في الوقت الذي تُقدَر فيه القيمة السوقية لشركة (بيـــرد) بحوالي 2 مليار دولار، بينما تصل قيمة شركة (لايــم)  إلى أكثر من مليار دولار.

وفي الواقع، فإن شركة (بيـــرد) هي الشركة الأسرع نمواً على الإطلاق من بين الشركات الناشئة، وقد وصلت إلى هذا الإنجاز خلال تسعة أشهر فقط.

وحتى الآن، لا يزال سوق الدراجات الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محدودًا. ومع ذلك، شهد لبنان انطلاق أوّل خدمة تشارك دراجات كهربائية في المنطقة مع دخول شركة (لوب شير) الكندية السوق اللبنانية بمقاربة مبتكرة تمثلت في تقديم أول خدمة سكوتر كهربي في المنطقة في بيروت العام الماضي.

ومن المتوقع أن تشتد المنافسة قريبًا. إن النجاح الذي حققه تطوير خدمات مشاركة الركوب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والحاجة إلى إيجاد حلول لتنقل الأفراد من خلال وسائل النقل العام، تمثل فرصًا كبيرة للاستفادة من الدراجات الكهربائية. لذا يمكن القول أن مستقبل الدراجات الكهربائية  مشرق وبشكلٍ خاص في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تبوأت مركزاً متقدماً  كشريكٍ إقليمي رائد في تحديد مستقبل سهولة التنقل وكفاءة المواصلات الذكية.    

الطلب العالمي المتزايد على الدراجات الكهربائية

بلغ حجم التعاملات على مستوى العالم في قطاع النقل بالدراجات الكهربائية من خلال تطبيقات الهاتف المحمول في عام 2017 حوالي 8 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 12 مليار دولار بحلول عام 2027.

ويعتبر هذا النمو المذهل، والذي قد يتجاوز التقديرات بشكلٍ كبير، مدفوعاً بعددٍ من العوامل، بما في ذلك انخفاض الأسعار والتي تجعل الدراجات الكهربائية من السهل الوصول إليها، وأيضًا بسبب مجموعة من التحديات في المدن الكبرى  والمناطق الحضرية مثل زيادة الازدحام والاختناقات المرورية، ونقص مواقف السيارات، وعدم كفاية وسائل النقل العام التقليدية. كما أدت العديد من هذه الصعوبات إلى تسريع النمو في سوق النقل عبر التطبيقات الحديثة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي قد تتوسع لتسجل ما يصل إلى 200 مليون رحلة في اليوم وبقيمة تُقدر بأكثر من تريليون دولار سنويًا طبقًا لتقديرات شركة تحسين للاستشارات.

وقد برزت الصين كسوقٍ رئيسية للدراجات الكهربائية ، في حين أنه من المتوقع أن يرتفع الطلب في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان.

ومن أجل تلبية هذا الطلب المتزايد، دخل عدد من الشركات الجديدة سوق السكوتر الكهربي. وتشمل هذه الشركات بعض الشركات الناشئة مثل (لايــم) و(بيـــرد)  بالإضافة إلى شركات مشاركة الركوب مثل (أوبـر) و(لايفت) و (تاكسيفاي) وعلى سبيل المثال، فقد استثمرت شركة (أوبـر)  مؤخرًا 355 مليون دولار في (لايــم)  من أجل تمكين تأجير السكوتر الكهربي في تطبيقها، وقد ذكرت بعض التقارير أنها تطور الدراجات الكهربائية  الخاصة بها. وفي الوقت نفسه، بدأت شركة (لايفت)، التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقراً لها، بتقديم خدمة الدراجات الكهربائية عند الطلب من خلال تطبيقها، فيما شرعت شركة (تاكسيفاي) في تقديم خدمتها الخاصة في العاصمة الفرنسية، باريس. كما أن عدداً من شركات الدراجات الكهربائية الناشئة الأخرى قد أحدثت تأثيرات خارج أمريكا الشمالية وأوروبا، بما في ذلك شركة (نيو) في جمهورية الصين الشعبية، وشركة (أوكيناوا أوتوتيك) في جمهورية الهند. ومع ذلك، لا تزال شركات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تعمل في أماكن متجاورة، تركّز على الدراجات الهوائية بدلاً من خدمة مشاركة السكوتر الكهربي.

القواعد التنظيمية العالمية الناشئة التي سبقت انطلاق خدمة تشارك الدراجات الكهربائية

على الرغم من شعبيتها الجديدة، فقد تسببت الدراجات الكهربائية في اثارة الجدل في عدد من المدن حيث تواجه المزيد من التشريعات والقواعد التنظيمية. لقد تعلم المنظمون لقوانين المدن من خبرتهم في مجال المواصلات عبر التطبيقات الذكية، وأصبحوا أكثر توقعًا لنموذج ”التحرك السريع وكسر الأنماط“ والذي تستخدمه شركات التكنولوجيا الناشئة في القطاعات غير المُنظمة. على سبيل المثال، في سان فرانسيسكو تم إصدار قانون في يونيو يحظر عمل شركات السكوتر الكهربي الناشئة من العمل في المدينة، بعد أن قامت شركات (لايم) و(بيرد) و(سبِن) بإطلاق الخدمة في شهر مارس دون الحصول على التراخيص المطلوبة. ومن المقرر أن تسمح المدينة بدخول السكوتر الكهربي مرة أخرى في أكتوبر، بعد أن اختارت شركتين للمشاركة في برنامج تجريبي مدته عام واحد. كما فرضت عدة بلدان قوانين صارمة على الدراجات الإلكترونية (مثل سنغافورة، الصين) أو حظرتها بالكامل مثل (المملكة المتحدة).

ومع ذلك، فإن شركات الدراجات الكهربائية تتعلم بصورةٍ تدريجية كيفية التفاعل بشكلٍ أفضل مع القواعد التنظيمية في المدن لحل مشاكل الدخول إلى الأسواق والعمل كمكمل لخدمات النقل العام من خلال شراكات تعود بالنفع على الجميع، مع العمل في الوقت نفسه على وضع لوائح معقولة وقابلة للتطبيق.

وبالإضافة إلى القضايا المتعلقة بالتصاريح، فإن الدراجات الكهربائية تسببت في حدوث عدد من المشاكل الأخرى للمدن. إحدى القضايا الرئيسية في الدراجات الكهربائية هي أنها بلا أماكن مناسبة لركنها، ويميل العملاء إلى تركها بصورةٍ عشوائية على الأرصفة وفي المداخل. وهناك أيضًا جدل حول ما إذا كان مستخدمي السكوتر الكهربي يجب عليهم أن يرتدوا الخوذات وأن يكون لديهم رخص قيادة، وكذلك أيضًا ما إذا كانوا سيقودون دراجاتهم في الشوارع أو في مسارات على الأرصفة. مسؤولو المدينة يتناقشون في أن مستخدمي السكوتر الكهربي يعرضون المارة للخطر، في حين يقول بعض الأطباء أن التصادمات بين الدراجات الكهربائية  والسيارات هي قضية صحية عامة مستجدة. وردًا على هذه الخلافات، اتخذت شركات السكوتر الكهربي خطوات للتأثير على وضع اللوائح لصالحها. على سبيل المثال، قامت شركة (بيرد) برعاية مشروع قانون في كاليفورنيا للتغاضي عن رخصة القيادة والخوذة كمتطلبات لقيادة السكوتر الكهربي، ولزيادة السرعة القصوى لهم وتمكين قيادتهم على الأرصفة.

مستقبل الدراجات الكهربائية في دولة الإمارات العربية المتحدة

نظرًا لأن العديد من المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يقطنون أحياء سكنية لاتتوفر فيها مواصلات كافية  مع ضعف إمكانية الوصول إلى وسائل النقل العام، فإن الدراجات الكهربائية توفر حلًا واعدًا لمشكلة نقل الأفراد من نقاط تواجدهم إلى وجهتهم النهائية في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أنها توفر حلاً لارتفاع مستويات ملكية المركبات الخاصة.

ووفقًا لمؤسس شركة (بيرد) السيد «ترافيس فاندرتساندن»، فإن 40٪ من رحلات السيارات تكون لأقل من ميلين.

ولذلك، تعد الدراجات الكهربائية بديلاً مناسبًا للرحلات الأقصر، حيث يمكنها تغطية مسافات تتراوح بين 15 و 37 ميلاً لكل عملية نقل والسفر بسرعة تصل إلى 30 ميلًا في الساعة. وفي حين قد يكون من السابق لأوانه تحديد ما إذا كانت الدراجات الكهربائية ستحل محل السيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنها تمتلك إمكانات كبيرة للحد من الازدحام والتلوث في المدن وتوفير خيارات التنقل في الطرق المزدحمة في المدن التي بدأت للتو في الاستثمار في وسائل النقل العام.

وقد تكون الدراجات الكهربائية أكثر جاذبية للمستهلكين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر من خيارات المواصلات الأخرى في نقل الأفراد من نقاط تواجدهم إلى وجهتهم النهائية، مثل الدراجات، لأنها خفيفة الوزن، ويمكن حملها، وتتطلب مجهودًا بدنيًا أقل، وهي مزايا مهمة في البلدان ذات الأجواء الحارة والبنية العمرانية القديمة.

خدمة السكوتر الكهربي غير متاحة حالياً في الإمارات العربية المتحدة، وتبقى مساحة استخدام هذه الخدمة غير مُنظمة. ومع ذلك، فبمجرد دخول شركات تأجير السكوتر الكهربي إلى سوق الإمارات العربية المتحدة، فإنه سيكون هناك خياران محتملان للتنظيم. يمكن أن يكون الخيار الأول هو تنظيمها بنفس طريقة استخدام الدراجات، مما يمنع استخدامها في الطرق التي لها حدود للسرعة أعلى من 60 كيلومترًا في الساعة وتتطلب من الدراجين ارتداء ملابس مميزة للغاية. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى مناقشة جرت في عام 2015 بشأن تنظيم الدراجات الكهربائية في (المدينة العالمية) بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة. وقال متحدث باسم هيئة الطرق والمواصلات بإمارة دبي في ذلك الوقت أن الهيئة تبحث في موضوع سلامة واستخدام الدراجات الكهربائية، ولكن ليس من الواضح ما الذي تحقق منذ ذلك الحين. و الخيار الثاني سيكون حظر الدراجات الكهربائية في المناطق العامة، بناءً على المجموعة السابقة من التنظيمات الخاصة بألواح التزلج ذات العجلات (سكيت بورد) في عام 2016 بعد العديد من الحوادث المميتة.

وبغض النظر عن الطريقة التي قد تقرر بها دولة الإمارات العربية المتحدة تنظيم الدراجات الكهربائية، فإنه يبدو من المرجح أنها ستكون سوقًا رئيسيًا لشركات تأجير السكوتر الكهربي في القريب العاجل. وتعتبر دبي بالفعل مكاناً حضرياً مناسباً للاختبار، وقائدًا إقليميًا في تكنولوجيات التنقل المستقبلية، حيث تم إطلاق أول برنامج لمشاركة الدراجات في المنطقة في عام 2013، وقد تم اختيار ”التنقل“ كموضوع رئيسي في معرض إكسبو 2020، وأيضًا بسبب احتضانها المبكر لخدمة مشاركة الركوب. وبالإضافة إلى ذلك، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة بحاجة ماسة إلى حلول لمشكلة نقل الأفراد من نقاط تواجدهم إلى وجهتهم النهائية لاستكمال استثماراتها الكبيرة في البنية التحتية للنقل.

ومن المتوقع أن يكون اللاعبون الحاليون في سوق مشاركة الركوب في الموقع الرئيسي لطرح خدمات السكوتر الكهربي في الإمارات العربية المتحدة.

وفي الماضي، كان للهيئات التنظيمية مثل هيئة الطرق والمواصلات علاقات متوترة مع شركات مشاركة الركوب . ومع ذلك، فقد تحسنت هذه العلاقات بشكلٍ تدريجي بسبب الإدراك المتزايد بأن خدمات النقل عبر التطبيقات الذكية تلعب دوراً محورياً في الحد من كلفة الاختناقات المرورية، وتقليص مستويات ملكية المركبات، وتحسين الاستثمارات في البنية التحتية للنقل، وهي تحديات رئيسية قد يكون السكوتر الكهربي بمثابة الحل المثالي لها.

وإذا أصبحت الدراجات الكهربائية جزءًا من منظومة المواصلات الذكية في دولة الإمارات العربية المتحدة، فمن المحتمل أن يكون ذلك من خلال نموذج تجريبي جيّد في المناطق الخاضعة للرقابة، والذي يمكن أن يتم قياسه لاحقًا كوسيلة لاختبار مستويات الطلب والسلامة. ويمكن أن تشمل بعض المناطق المحتملة مجتمعات ذات مسارات داخلية، مثل أبراج بحيرات الجميرا في دبي، أو المجتمعات المسورة، مثل المرابع العربية. كما يمكن اختبار الخدمات في أماكن مثل مدينة الإنترنت في دبي أو المدينة الجامعية في الشارقة، على غرار تجربة شركتي (بيرد) و (لايم) اللتان قدمتا خدمات للجامعات الموجودة في الولايات المتحدة وكثيراً ما تستخدم في الجامعات الكبيرة.

وفي حين أنه لا يزال من غير الواضح متى ستبدأ جولات التنافس على سوق الدراجات الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنه تردد أن هناك عددًا من الشركات الناشئة المموّلة جيدًا تدرس إطلاق عمليات في الإمارات العربية المتحدة وبلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ونظراً لموقعها كمنطقة اختبار إقليمية للتنقل، فإنه من المرجح أن تلعب دولة الإمارات دوراً  كبيراً في تحديد الفائزين والخاسرين في هذه الجولات، وسوف يراقبها المستثمرون والمستهلكون عن كثب في الأشهر المقبلة.